حسان بن ثابت، أحد أبرز شعراء العرب في الجاهلية والإسلام، عُرف بشعره الفريد وقدرته على وصف الأحداث والتعبير عن المواقف بدقة وبلاغة،ولقد كان لشعره دور مهم في خدمة الإسلام، حيث لُقّب بـ"شاعر الرسول" لنصرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته من خلال قصائده.
في هذا المقال سنتناول سيرة حسان بن ثابت، وشعره في الجاهلية والإسلام، وسبب تلقيبه بشاعر الرسول، إلى جانب من أبرز قصائده في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.
حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم |
من هو حسان بن ثابت؟
هو الصحابي حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي، رضي الله عنه، وُلد في المدينة المنورة قبل الإسلام بحوالي 60 عامًا، وكان من الأنصار،ويعود نسبه إلى قبيلة الخزرج الشهيرة في يثرب (المدينة المنورة)،وقد نشأ في بيئة تعج بالشعر والشعراء، فاكتسب حب البلاغة والنظم منذ صغره،ويعد حسان بن ثابت من الشعراء المخضرمين، إذ يقال أنه عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام .
شعر حسان بن ثابت في الجاهلية
كان حسان بن ثابت قبل الإسلام شاعرًا معروفًا في الجاهلية، يمدح سادة القبائل ويهجو أعداءهم ،فقد اكتسب شهرة واسعة في شبه الجزيرة العربية ،كما اتصل بالغساسنة ونظم فيهم القصائد، ومما أهله لذلك أنه كان يتمتع بحس شعري مرهف وبلاغة لغوية لا مثيل لها، مما جعله يحتل مكانة رفيعة بين شعراء عصره، ولا يخفى على أحد الصراع بين قبيلتي الأوس والخزرج قبل قدوم الإسلام إلى المدينة ، إذ كان حسان بن ثابت هو لسان قبيلته والمدافع والمنافح عنها بشعره ومن أشهر أشعاره في الجاهلية قوله في مدح قومه الخزرج:
نَحنُ بَنُو قَيسٍ وَالنّاسُ بَنُو النّارِ
بَنو نارَةٍ بَطنٌ عَظيمُ الشّرارِ
وإليك عزيزي القارئ نماذج من شعر حسان بن ثابت في الجاهلية:
قال حسان بن ثابت في إحدى قصائده التي يفخرفيها بشجاعته وقبيلته:
يا دارَ مَيَّةَ بالعَلياءِ فالسَّنَدِ
أَقوَتْ وَطالَ عَلَيها سالِفُ الأَبَدِ
وَقَفتُ فيها أُصَيلاناً أُسائِلُها
عَيَّتْ جَواباً وَما بالرَّبعِ مِن أَحَدِ
فَهْيَ تَكادُ لِتَصَفَّقَ إِذْ جَرى
ريحٌ تَمُرُّ على بَقْيَاكِ مُتَّئِدِ
كان حسان بن ثابت فخوراً بأنصاره (القبائل اليمنية) التي ينتمي إليها، وقال في إحدى قصائده في الفخر بهم:
نحنُ الكرامُ بني مَعَدٍّ لا وَلاءَ لَنَا
إِلّا السّيوفَ وَإِلّا النّارَ نَزدَلِفُ
لَنَا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلمَعْنَ في الضُّحَى
وَأَسيافُنا يَقطُرنَ مِن نَجدَةٍ دَمَا
3. من قصيدة في المدح:
لقداشتهرحسان بن ثابت بمدح زعماء القبائل في الجاهلية،ومن ذلك مدحه لبعض الشخصيات:
للهِ درُّ أبياتٍ بمَروَةَ سُكِّنتْ
فيهنّ مُحْتسِبٌ في ذروةِ السَّنَدِ
رَفُوضٌ عن الهيجاءِ يَكفي كُفَاتَه
ويَمْنَعُ منهُ السَّيْفُ في مِعْصَمٍ قَصْدِ
هذه النماذج تعكس الروح القبلية والفخر الذي كان جزءًا من شعر حسان بن ثابت قبل أن يعتنق الإسلام، حيث كان يفخر بنفسه وبقبيلته ويبرز قيم الشجاعة والكرم التي كانت تُعظّم في الجاهلية.
قصة إسلام حسان بن ثابت
إسلام حسان بن ثابت كان نقطة تحول في حياته وشعره ،فعندما ظهر الإسلام في المدينة المنورة، تأثر حسان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وسرعان ما دخل الإسلام، وقد أدرك حسان أهمية الدعوة الإسلامية وقرر أن يوظف مهاراته الشعرية للدفاع عن الإسلام ونبيه، فبدأ في هجاء أعداء الإسلام ومدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته.
حسان بن ثابت شاعرالرسول |
والملاحظ أن حسان بن ثابت قد أجاد في غرض المدح أيما إجادة ، فقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قبله الغساسنة وعلى رأسهم النعمان بن المنذر ، لكن الجميع يتفقون على براعته في غرض المدح والوصف والهجاء لحسن بلاغته وقوة تعبيره ،إلى جانب موهبته الفذة في تضمين قصائده معاني القرآن الكريم والأحاديث النبوية بشكل منقطع النظير، ولا يخفى علينا دفاعه المستميت عن الرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام وهجاءه للمشركين.
صفات حسان بن ثابت
لعل أبرز الصفات والخصال التي اتصف بها حسان بن ثابت هي الحكمة والفصاحة والشجاعة الأدبيةحيث كانت لديه قدرة فريدة على صياغة الأبيات بطريقة مؤثرة، إذ كان يعرف كيف يمزج بين العاطفة والحجة في شعره ،كما تميز بالصدق في شعره وبقدرته على التعبير عن مشاعر الحب والاحترام العميقين تجاه النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام.
لقب شاعر الرسول
لو قلنا : لماذا لُقّب حسان بن ثابت بـ"شاعر الرسول"؟ لكان الجواب ؛لأنه كرّس قلمه للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام،إذ كان يرد على هجاء قريش للنبي وللمسلمين بشعر قوي ومؤثر، مما جعل النبي يثني عليه مرارًا، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: "اهجُهُم، وجبريل معك". هذه العبارة تظهر مدى دعم النبي لحسان وتقديره لدوره في الدفاع عن الإسلام.
شعر حسان بن ثابت في وصف الرسول
أبدع حسان بن ثابت في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفه بأجمل الصفات حيث كان يراه النبي الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فوصفه بأبلغ الكلمات وأكثرها تأثيرًا.
من أشهر أشعاره في وصف النبي:
وأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قطُّ عَيني
وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِّساءُ
خُلِقتَ مُبرَّءًا مِن كُلِّ عَيبٍ
كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ
تُعد هذه الأبيات من أبلغ ما مدح به حسان بن ثابت رسول الله ﷺ، حيث يعبّر عن إعجابه الشديد بجمال الرسول ﷺ الخارجي والداخلي، ويصفه بأوصاف تفوق ما رآه البشر.
وقال أيضًا:
لَمّا رَأَيتُ أَنوارَهُ سَطَعَتْ
وَضَعتُ مِن خيفَتي كَفّي على بَصري
خَوفاً عَلَى بَصري مِن حُسنِ صورَتِهِ
فَلَستُ أَنظُرُهُ إِلّا عَلَى قَدَري
رُوحٌ مِنَ النُّورِ في جِسمٍ مِنَ القَمَرِ
كَحُليَةٍ نُظِمَتْ مِن أَنجُمٍ زُهُرِ
في هذه الأبيات، يتغنى حسان بن ثابت بجمال النبي وأخلاقه الرفيعة، ويصفه بأنه خلق منزهًا من العيوب، وكأنه قد صُمم بإرادة إلهية خاصة.
ماذا قال الرسول عن حسان بن ثابت؟
كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يُثني على حسان بن ثابت كثيرًا،إذ قال النبي عنه: "اللهم أيِّده بروح القدس" في إشارة إلى دعمه من الله ،كما قال له النبي: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله"، وهو ما يظهر مدى تقدير النبي لدور حسان في الدفاع عن الدعوة الإسلامية بالكلمة والشعر.
أشهر قصائد حسان بن ثابت
تعد قصائد حسان بن ثابت في مدح الرسول من أشهر القصائد الإسلامية التي خلدت ذكر النبي الكريم،ومن أشهر هذه القصائد:
إِنَّ الذَّوائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتَهُم
قَد بَيَّنُوا سُنَّةً للنَّاسِ تُتَّبَعُ
يَرْضَى بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ
تَقْوَى الإِلَهِ وَكُلُّ الخَيرِ مُتَّبَعُ
قومٌ إِذا حاربُوا ضَرْبًا فإِنَّهمُ
لا يَعْدِلُونَ ولَا يَدرُونَ مَا الفَزَعُ
لَا خَيْرَ فِي حِلْمِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ
بَوَادرُ تَحْمِيهِ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ
فَالنَّبْعُ مَعْدِنُهُ وَالصِّدْقُ مَخْبَرُهُ
لَهُ كِتَابٌ مِنَ المَولى قَدِ اطَّلَعُوا
أَعْنِي الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتَهُمْ
قَد شَرَّدُوا بِالقَنَا وَالمَرْدِ تَنقَرِعُ
إِذْ أَسْلَمُوكَ إِلَى السُّلطَانِ فَانْقَبَضَتْ
مِنْكُمْ يَدٌ رَتَعَتْ بِالظُّلْمِ واغْتَرَعُوا
هُمْ خَيْرُ مَنْ يَنْتَمِي إِلَى نَسَبٍ
فِي الدِّينِ مَا مَثَلُهُ فِي النَّاسِ إِذْ سَمِعُوا
حسان بن ثابت في هذه القصيدة يسخر من زعماء قريش ويحتفل بنصر المسلمين في غزوة بدر، مستخدمًا هجاءً قويًا وتصويرات أدبية لإظهار قوة الإسلام وحق النبي ﷺ.
وفاة حسان بن ثابت
توفي حسان بن ثابت رضي الله عنه في المدينة المنورة عام 54 هـ عن عمر ناهز 120 عامًا، بعد حياة حافلة بالشعر والمواقف البطولية. يُذكر أن حسان عاش في ظل الإسلام، ومدح النبي محمد ﷺ وأعلّى من شأنه وشأن الإسلام، مما جعله يُلقب بـ "شاعر الرسول"، وكانت وفاته في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، ليترك إرثًا شعريًا خالدًا يمتد في ذاكرة الأدب العربي والإسلامي.
ورغم تقدمه في السن، ظل حسان بن ثابت محافظًا على مكانته كشاعر كبير حتى وفاته،وقد عاش حياته الأخيرة في المدينة المنورة قريبًا من الصحابة، متأثرًا بعظمة الرسالة الإسلامية ومشاركًا في تعزيزها من خلال شعره ،وترك وراءه ديوانًا حافلًا بالمدائح النبوية والأشعار التي دافعت عن الإسلام وهجت أعداءه، مما جعله شخصية بارزة في تاريخ الشعر العربي.
أشهر ما قال حسان بن ثابت في مدح الرسول |
خاتمة
حسان بن ثابت كان ولا يزال رمزًا للشاعر الذي خدم الإسلام بالكلمة الطيبة، وشعره الخالد الذي مدح فيه النبي صلى الله عليه وسلم يبقى جزءًا من التراث الأدبي الإسلامي الذي يعبر عن عظمة الرسالة وصدق المحبة،فشعر حسان يُظهر مدى قدرته على المزج بين الفن والإيمان، ويظل شاعر الرسول علمًا من أعلام الشعر العربي والإسلامي.
المراجع
- - "ديوان حسان بن ثابت"، تحقيق: عبد الرحمن البرقوقي.
- - "الشعر العربي في صدر الإسلام"، د. شوقي ضيف.
- - "حسان بن ثابت: حياته وشعره"، محمد أحمد درويش.