الخَنْسَاء: شَاعِرَةُ الإِنْسِ وَالجِنِّ وَصَوْتُ الفَقْدِ وَالصَّبْرِ


تُعَدُّ الخَنْسَاءُ، واسمها الحقيقي تماضر بنت عمرو السلمية، من أعظم الشاعرات في التاريخ العربي،وقد برزت في عصر الجاهلية وأصبحت واحدة من أروع الأصوات الشعرية التي تناولت مشاعر الفقد والحزن بشكل مؤثر وعميق. 

في هذا المقال، سنستعرض حياتها من جوانب متعددة: من هي الخنساء، وقصتها مع أخيها صخر، وإسلامها، ومدحها للرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى نقد شعرها الذي وصل إلى أعظم نقاد العرب. 

سنأخذك في رحلة إلى ماضي الخنساء، حيث تختلط الأحاسيس بالشعر، ونتوقف عند كل نقطة رئيسية في حياتها، مع ذكر نماذج شعرية عذبة تثري هذه الرحلة.

الخنساء ترثي أخيها صخر
الخنساء -تماضربنت عمرالسلمية

من هي الخنساء؟

هي تماضر بنت عمرو، المعروفة بلقب "الخَنْسَاء"، وُلدت في مطلع القرن السابع الميلادي في منطقة نجد،وتنتمي إلى قبيلة بني سليم، وكانت معروفة بحدة الذكاء وسرعة البديهة وقوة الشعر، وتميزت بقدرتها الفريدة على التعبير عن الألم والفقد، وكان لأخيها صخر تأثير بالغ على حياتها وشعرها.

ورغم كون الخنساء امرأة إلا أنها استطاعت أن تفرض نفسها وسط شعراء عظماء من عصرها، مثل النابغة الذبياني وحسان بن ثابت، فلم تكن الخنساء مجرد شاعرة، بل كانت صوتًا نسائيًا قويًا في مجتمع كان يهيمن عليه الرجال، وقد تركت بصمة واضحة في الأدب العربي، خاصة في مجال الرثاء.

 معنى الخنساء

"الخَنْسَاء" في اللغة العربية تشير إلى المرأة التي يكون أنفها قصيرًا مع انحناء طفيف في أعلاه، ورغم أن هذا المعنى يصف مظهرًا جسديًا، إلا أن الخنساء تعدت هذا الوصف لتصبح رمزًا للشاعرية الفريدة ،فقد جعلت من نفسها مثالًا للمرأة القوية التي تستخدم الكلمة للتعبير عن ألمها وحزنها، وفرضت نفسها على الساحة الأدبية والشعرية بشكل غير مسبوق.

 شعر الخنساء

امتاز شعر الخنساء بالصدق والبساطة ،إذ كانت تتميز بقدرتها على نقل أحزانها العميقة بعباراتٍ بسيطة وعذبة تصل إلى القلب مباشرة، وأكثر ما ركزت عليه في شعرها هو رثاء أخيها صخر، الذي كان رمز الشجاعة والنبل في حياتها، فقد عبّرت عن ألم فقده بأسلوب يمزج بين الحزن والفخر.

حيث تقول في رثاء صخر: 

يُذَكِّرُنِي طُلُوعُ الشَّمْسِ صَخْرًا    وأذكره لِكُلِّ غُرُوبِ شَمْسِ  

وَلَوْلَا كَثْرَةُ البَاكِينَ حَوْلِي        عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي

في هذين البيتين تُظهِر الخنساء مشاعرها الممزقة بين الحزن على فقدان صخر وبين الاعتراف بأنها لا تستطيع تحمل ألم الفراق، لكنها تجد عزاءً في أن هناك الكثير ممن يشاركونها نفس الألم.

وإذا كنت لم تتعرف عزيزي القارئ على شاعرية الخنساء بالقدر الكافي فيمكنك التعرف أكثروأكثر على الشاعرة التي قال عنها النابغة الذبياني بأنها "أشعرالإنس والجن " وكيف استطاعت ببلاغتها وفصاحتها أن تعيب على حسان بن ثابت شعره ؟ وهو من هوفي الصدارة

فإليك قتها مع النابغة وحسان بن ثابت في السطور التالية.

الخَنْسَاءُ وَقِصَّتُهَا مَعَ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ

هَلْ سَمِعْتَ يَوْمًا عَنْ اِمْرَأَةٍ قَالَ عَنْهَا أَحَدُ أَعْظَمِ النُّقَّادِ فِي تَارِيخِ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ: (لَوْلَا أَنَّ الأَعْشَى سَبَقَكِ، لَقُلْتُ إِنَّكِ أَشْعَرُ الجِنِّ وَالإِنْسِ)؟ نَعَمْ، إِنَّهَا الخَنْسَاءُ، شَاعِرَةٌ فَاقَتْ بِبَلَاغَتِهَا وَقُوَّةِ مَشَاعِرِهَا كُلَّ التَّوَقُّعَاتِ، لِتُصْبِحَ رَمْزًا خَالِدًا فِي تَارِيخِ الأَدَبِ.  

وَقِصَّتُهَا لَيْسَتْ فَقَطْ عَنْ الحُزْنِ، بَلْ عَنْ قُوَّةِ الكَلِمَةِ وَقُدْرَتِهَا عَلَى تَخْلِيدِ المَشَاعِرِ، وشِعْرُهَا كَانَ يَنْفُذُ مُبَاشَرَةً إِلَى القَلْبِ، وَكَأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ هُوَ دَمْعَةٌ تَسِيلُ مِنْ أَعْمَاقِ رُوحِهَا

 الخَنْسَاءُ فِي مُوَاجَهَةِ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ  

لَكِنْ مَاذَا عَنْ لَقَبِهَا: أَشْعَرُ الجِنِّ وَالإِنْسِ؟ هُنَا تَأْتِي القِصَّةُ الَّتِي جَمَعَتْهَا بِاثْنَيْنِ مِنْ أَكْبَرِ شُعَرَاءِ عَصْرِهَا: النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ. فِي أَحَدِ المَجَالِسِ الشِّعْرِيَّةِ الشَّهِيرَةِ، اِجْتَمَعَ عُمَالقة الشِّعْرِ، وَكَانَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ يَجْلِسُ تَحْتَ قُبَّةٍ حَمْرَاءَ وَيَسْتَمِعُ إِلَى قَصَائِدِ الشُّعَرَاءِ وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وَيُحَدِّدُ مَرَاتِبَهُمْ.  

وَفِي إِحْدَى المَرَّاتِ اِسْتَمَعَ النَّابِغَةُ إِلَى قَصِيدَةِ الخَنْسَاءِ الَّتِي أَنْشَدَتْهَا فِي رِثَاءِ أَخِيهَا صَخْرٍ، وَالَّتِي تَقُولُ فِي مَطْلَعِهَا:


  قَذَى بِعَيْنَيْكَ أَمْ بِالعَيْنِ عُوَارُ ... أَمْ أَقْفَرَتْ إِذْ خَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا الدَّارُ  

كَأَنَّ عَيْنِي لِذِكْرَاهُ إِذَا خَطَرَتْ ... فَيْضٌ يَسِيلُ عَلَى الخَدَّيْنِ مِدْرَارُ


وَبَعْدَ أَنْ أَلْقَتْ قَصِيدَتَهَا، وَقَفَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ وَأَثْنَى عَلَيْهَا قَائِلًا: (لَوْلَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ، وَهُوَ الأَعْشَى، سَبَقَكِ، لَقُلْتُ إِنَّكِ أَشْعَرُ الجِنِّ وَالإِنْسِ). تَخَيَّلُوا مَعِي قُوَّةَ شِعْرِهَا الَّتِي جَعَلَتِ النَّابِغَةَ يَرْفَعُهَا إِلَى هَذَا المَقَامِ السَّامِي، مَقَامٍ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا الشُّعَرَاءُ الكِبَارُ."

وَهُنَا غَضِبَ حَسَّانُ بن ثابت وَقَالَ: "أَنَا أَشْعَرُ مِنْكِ وَمِنْهَا" ،فَطَلَبَ النَّابِغَةُ مِنَ الخَنْسَاءِ أَنْ تُنَاظِرَهُ ؛فَسَأَلَتْهُ الخَنْسَاءُ:أَيُّ بَيْتٍ هُوَ الأَفْضَلُ فِي قَصَائِدِكَ؟ فَقَالَ:

لَنَا الجَفْنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ فِي الضُّحَى ... وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمَا

فَقَالَتْ لَهُ: "إِنَّ فِي هَذَا البَيْتِ سَبْعَةً مِنْ مَوَاطِنِ الضَّعْفِ، فَقَالَ حَسَّانُ: كَيْفَ؟  

فَقَالَتِ الخَنْسَاءُ: قُلْتَ الجَفْنَاتِ وَهِيَ دُونَ العَشْرَةِ، وَلَوْ قُلْتَ: الجِفَانَ لَكَانَ أَكْثَرَ، وَقُلْتَ: الغُرَّ، وَالغُرَّةُ بَيَاضٌ فِي الجَبْهَةِ، وَلَوْ قُلْتَ: البِيضَ لَكَانَ أَوْضَحَ، لأَنَّ البَيَاضَ أَكْثَرُ اتِّسَاعًا ،وَقُلْتَ: يَلْمَعْنَ، وَاللَّمَعَانُ إِنْعِكَاسُ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ، وَلَوْ قُلْتَ "يُشْرِقْنَ" لَكَانَ أَفْضَلَ، وَقُلْتَ: بِالضُّحَى وَلَوْ قُلْتَ بِالدُّجَى لَكَانَ أَفْصَحَ ، وَقُلْتَ: أَسْيَافُنَا وَهِيَ دُونَ العَشْرَةِ، وَلَوْ قُلْتَ: سُيُوفُنَا لَكَانَ أَكْثَرَ،وَقُلْتَ: يَقْطُرْنَ، وَلَوْ قُلْتَ: يَسِلْنَ لَكَانَ أَرْوَعَ.  

كُلُّ ذَلِكَ مِنْ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَلِشَاعِرٍ كَبِيرٍ كَحَسَّانَ، فَمَا بَالُكُم بِأَقَلِّ مِنْهُ؟

إِذَنْ فَهَذِهِ شَهَادَةٌ مِنْ أَحَدِ أَعْظَمِ نُقَّادِ الشِّعْرِ فِي عَصْرِهَا، بِأَنَّ الخَنْسَاءَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ شَاعِرَةٍ، بَلْ إِنَّهَا تُجَسِّدُ قُوَّةَ الشِّعْرِ الَّذِي يُبْهِرُ الإِنْسَ وَالجِنَّ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ."

 قصة الخنساء وصخر

كان صخر أخو الخنساء شابًا شجاعًا كريمًا، وكان له مكانة كبيرة في قلبها ، وعندما قتل في إحدى المعارك انهارت الخنساء من الحزن وبدأت في إنشاد قصائد الرثاء التي تخلد ذكرى أخيها ،وهذه القصائد التي كانت مفعمة بالألم والحب الأخوي أصبحت فيما بعد جزءًا أساسيًا من الأدب العربي.

الخنساء ترثي أخاها صخرا
الخنساء ترثي أخاها صخرا

تقول الخنساء في رثاء صخر:

قَذًى بِعَيْنِكَ أَمْ بِالْعَيْنِ عَوَارٌ ... أَمْ أَقْفَرَتْ إِذْ خَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا الدَّارُ


كَأَنَّ عَيْنِي لِذِكْرَاهُ إِذَا خَطَرَتْ ... فَيْضٌ يَسِيلُ عَلَى الْخَدَّيْنِ مِدْرَارُ


هذه الأبيات الشهيرة تعكس بوضوح حزن الخنساء العميق على فقدان أخيها، حيث صورت دموعها وكأنها فيض لا يتوقف، مما يبرز مدى عمق الفاجعة التي ألمّت بها.

 الخنساء ورثاء صخر

عندما تُذكَر الخنساء، يأتي ذكر الرثاء في مقدمة أعمالها، فقد تمكنت من تحويل مشاعر الحزن والفقد إلى قصائد تلامس القلوب، ويُعد رثاؤها لصخر من أعظم ما قيل في هذا النوع من الشعر، إذ لم تكن كلماتها مجرد عبارات حزينة، بل كانت تنضح بالشجاعة والكرامة.

تقول في أحد أبياتها المؤثرة:

أَعَيْنَيَّ جُودَا وَلَا تَجْمُدَا ... أَلَا تَبْكِيَانِ لِصَخْرِ النَّدَى  


طَوِيلُ النِّجَادِ رَفِيعُ العِمَادِ ... سَادَ عَشِيرَتَهُ أَمْرَدَا

    

في هذه الأبيات، تُبرز الخنساء الفخر بأخيها الراحل، الذي كان رجلاً شجاعًا وسيدًا  مطاعًا في قومه، وتجمع بين الفخر والحزن، بين القوة والدموع، لتخلق صورة شعرية متكاملة.

 إسلام الخنساء

دخلت الخنساء الإسلام في فترة مبكرة، وكانت من المسلمين الذين شهدوا تحولًا كبيرًا في حياتهم بعد الإسلام ،وقد انعكس هذا التحول على شعرها، حيث أضفى الإسلام طابعًا من الرضا والقبول بقضاء الله وقدره على قصائدها، وعلى الرغم من أن موضوعات شعرها لم تتغير كثيرًا، إلا أن روح الإسلام أصبحت حاضرة فيما تقوله، خاصة بعد أن فقدت أولادها الأربعة في معركة القادسية.

وبهذا يمكننا القول بأن الخنساء من الشعراء المخضرمين ،إذ شهدت الجاهلية والإسلام مثلها في ذلك مثل حسان بن ثابت،وإن قل شعرها في الإسلام إلا أن روح الإسلام أصبحت حاضرة فيما تقوله.

 شعر الخنساء في مدح الرسول

لم تكن الخنساء معروفة بمدحها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بقدر شهرتها في الرثاء، إلا أن أشعارها الإسلامية عكست مدى احترامها وإيمانها بالرسالة الإسلامية، فبعد إسلامها، تحول تركيزها من الحزن والفقد إلى التعبير عن الإيمان والشكر لله.

ولا يوجد في المصادر الموثوقة ما يشير إلى أن الخنساء قالت قصائد محددة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل مباشر كما فعل بعض الشعراء في عصرها، مثل حسان بن ثابت، ولكن الخنساء بعد إسلامها أظهرت تأثرًا عميقًا بتعاليم الدين الإسلامي، وبرزت كبطلة من خلال مواقفها الشجاعة وصبرها على فقدان أبنائها الأربعة في معركة القادسية، حيث قالت كلمات تدل على إيمانها القوي وتقبلها لقضاء الله، مثل: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته."

هذا الموقف يظهر تفاعلها مع القيم الإسلامية وتأثرها الكبير برسالة الإسلام، حتى وإن لم تُنشد قصائد مدح صريحة للرسول صلى الله عليه وسلم.

ماذا قال الرسول عن الخنساء؟

ورد في الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستمع إلى الخنساء وهي تنشد شعرها في رثاء أخيها، وكان يعجب بصدق مشاعرها وبلاغة تعبيرها، وكانت هذه شهادة كبيرة لمكانة الخنساء كشاعرة، إذ كان الرسول يشجع الشعراء الذين يعبرون عن مشاعرهم بصدق ودون مبالغة.

الخنساء وموت أولادها

لم تكن وفاة أخيها صخر هي الفاجعة الوحيدة في حياة الخنساء، فبعد دخول الإسلام، فقدت الخنساء أبناءها الأربعة في معركة القادسية، لكنها تقبلت هذا الفقد بطريقة مختلفة، ففي الإسلام وجدت العزاء والقوة لتواجه هذا الألم، وقالت مقولتها الشهيرة: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته."

هذه الكلمات تعكس مدى قوة إيمانها وصبرها، حيث اختارت أن تواجه الفقد بقبول وتسليم لمشيئة الله، بدلاً من الغرق في الحزن.

 وفاة الخنساء

توفيت الخنساء في العقد العاشر من عمرها تقريبًا، ويُقال إنها عاشت حياة طويلة مليئة بالتحديات والألم، ورحلت عن عالمنا بعد أن تركت إرثًا شعريًا خالدًا لا يزال يُدرَس ويُحلَّل حتى اليوم.

 الخنساء في ميزان النقد

اعتُبرت الخنساء من أعظم الشاعرات في التاريخ العربي،وتميزت بقدرتها على التعبير عن مشاعر الحزن والفقد بطريقة لا تُضاهى ،وقد أُثني عليها من قبل النقاد القدماء مثل النابغة الذبياني، الذي قال عنها: "لولا أن أبا بصير سبقكِ، لقلت إنك أشعر الإنس والجن."

وعلى مر العصوراستمر النقد الأدبي في الاحتفاء بشعر الخنساء، خاصة في مجال الرثاء،ويرى النقاد المعاصرون أن تجربتها الفريدة في التعامل مع الفقد والشجاعة جعلت منها صوتًا لا يُنسى في الشعر العربي ،ورغم أن معظم شعرها كان في الرثاء، إلا أن نقاد الأدب أكدوا أن شعرها يمتلك عمقًا إنسانيًا يجعله خالدًا عبر الزمن.

 نماذج أخرى من شعر الخنساء

في قصيدة أخرى تقول الخنساء:

وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الهُدَاةُ بِهِ ... كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ

وفي قصيدة أخرى تعبر عن فخرها بصخر:

إِنَّ صَخْرًا كَانَ حِلْمًا سَيِّدًا ... لَيْلَةَ الوَرْدَيْنِ إِذْ شَبَّ ضِمَامُهُ

من خلال هذه الأبيات، يظهر جليًا كيف استطاعت الخنساء أن تجعل من أخيها رمزًا للشجاعة والكرم في شعرها، بحيث أصبح صخر شخصية أسطورية في مخيلة الناس.

إذن فَقِصَّةُ الخَنْسَاءِ لَيْسَتْ فَقَطْ قِصَّةَ امْرَأَةٍ فَقَدَتْ أَخَاهَا، بَلْ هِيَ قِصَّةُ قُوَّةِ الكَلِمَةِ وَتَأْثِيرِهَا الَّذِي يَمْتَدُّ عَبْرَ الزَّمَانِ، فَقَدْ كَانَتْ وَمَا زَالَتْ، الخَنْسَاءُ رَمْزًا خَالِدًا فِي الأَدَبِ العَرَبِيِّ، شَاعِرَةً فَاقَتْ كُلَّ التَّصَوُّرَاتِ، وَتَرَكَ شِعْرُهَا بَصْمَةً لَا تُمْحَى عَبْرَ الأَزْمَانِ.


الخنساء ترثي أخاها صخرا
الخنساء رائدة فن الرثاء

خاتمة

الخنساء لم تكن مجرد شاعرة، بل كانت صوتًا نسائيًا قويًا يعبر عن الفقد والحزن والشجاعة في آن واحد بقصائدها المفعمة بالألم، ونجحت في أن تظل رمزًا خالدًا في الأدب العربي ،وتركت لنا إرثًا شعري لا نزال نفخر به حتى الآن.

المراجع

  1. ديوان الخنساء.
  2. ابن قتيبة، "الشعر والشعراء".
  3. أبو الفرج الأصفهاني، "الأغاني".






تعليقات